📌#جديد-إصدارات-اسكرايب
كتاب “مجلس للشيوخ”
للكاتب: د. عمرو الهلالي
📕مقتطف من الكتاب:
السؤال الذي ما فتئت الحياة السياسية المصرية تسأله وتجادل فيه طوال الحياة النيابية المصرية التي تبلغ هذا العام مئتي سنة، عن النظام الأفضل للمجلس التشريعي، وهل نحتاج إلى الاعتماد على نظام المجلس التشريعي الأوحد أم نلتجأ إلى نظام الغرفتين، وهذا الجدال الذي يثور بين التارة والأخرى، هو حدث عالمي في حقيقة الأمر، وليس مقصورا على الحالة المصرية أو العربية، ويحدث مع التطور الديمقراطي الطبيعي، والبحث المتواصل عن كیفیة الإصلاح المؤسسي للنظام البرلماني والتشريعي في كل الدول، فقد حفلت أدبیات القانون الدستوري والنظم السیاسیة حول العالم بجدل فقھي واسع حول الطریقة الأكثر جدوى ـ على مستوى التطبیق في تنظیم البرلمان، وھل البرلمان ذو الغرفة الواحدة أنجح أم البرلمان ذو الغرفتین، ھذا الجدل یعكس عدم التسلیم التام بین الباحثين والسیاسیین عن النظام الأمثل للهيئة التشريعية للدول، وھو ما یفتح المجال من جديد لتجدید النقاش الفقھي داخل مجتمعنا حول سبل تطویر الممارسة البرلمانیة وتحديد أيهما الأفضل للحياة السياسية المصرية بالخصوص، وعلينا أن نعترف في البداية أن قضيّة تكوين البرلمان هي في حقيقة الأمر قضيّة فنيّة من الدرجة الأولى، لها أسبابها والعوامل التي تحكمها، ومن الطبيعيّ أن يكون لكل رأي في هذه المسألة من يؤيّدها ويعارضها، ويهدف هذا المؤلف إلى مناقشة تلك القضية على جميع أشكالها، ودراسة الفرق الذي تمثله الغرفة الثانية في البرلمان عن الهيئات الاستشارية الأخرى التي تستعيض بعض الدول بها عن الازدواجية البرلمانية التي نقصدها..
ولأننا لن نعيد اختراع العجلة من جديد، يهتم الكتاب بعمل دراسة مقارنة تاريخية وعملية عن تجربة غرفتَي البرلمان في دول العالم المختلفة، مع تقديرنا الكامل لخصوصية الكثير من الحالات وعدم جواز إطلاق أحكام نهائية عليها في هدفنا الأصلي لتقييم هذه التجربة، إننا في الحقيقة نسترشد بتلك التجارب فقط ونضعها تحت منظار البحث العلمي والأكاديمي للخروج بما يفيد مسعانا المعلن من هذا المؤلَّف، لكنها من جهة أخرى تنير لنا الطريق وترفع عنا ذلل الأخطاء التي يمكن أن تقع فيها تجربتنا الديمقراطية التي ما زالت لم تبارح مكانها ولم تصل إلى الرشد المطلوب، فقد كان من المتبع تاریخیاً في اختیار أعضاء المجالس الثانية للبرلمانات خاصة في التجربة الأوروبية الأقدم من تجربتنا العربية أن تهيمن عليها اعتبارات طبقیة وفئویة تضمن وجود تلك الطبقة في النظام التشريعي لها لحماية مصالح تلك الأقلية على الأقل، أو تكوين جهات استشارية للحاكم من الإقطاعيين والنبلاء، ولذلك وحسب اعتبارات وفكرة التمثيل الشعبي كانت تلك المجالس المحجوزة مقاعدها لطبقة ما بالوراثة، لا تمثل سوى نفسها وفئاتها، ثم تطورت عبر تجارب دول أخرى لحلول عملية لمنع التفسخ وانحلال المكونات الاتحادية لها، ثم طالت تلك التجربة مظاهر الرفض مع الحركات الشعبية والثورية التي تراوحت بين رفض هذا الشكل من التمثيل وإلغاء تلك المجالس الثانية، أو محاولة إصلاحها تشريعيا ودستويا، وبدلا من إلغائها تماما، حجمت من صلاحياتها وأوقفت ظاهرة التوريث الحادثة لمقاعدها، وھو ما حدا الكثیر من النظم الدستوریة إلى التخلي عن ھذه الممارسة غیر الدیمقراطیة في اختيار أعضائها، واعتماد فكرة التمثیل الشعبي في تشكیل وتكوین الغرفة الثانیة للبرلمان، كما الحال في تشكیل وتكوین المجلس الأول.