رواية “حياة وحيدة وميتات كثيرة”
للكاتبة: أميرة ناصف
لم تكن حياة طبيعية، أعرف هذا الآن وأدرك أنها لم تكن لتسمى من أصلها حياة… كان سجنا أعيشه تحت رحمة بابا، ولم أعرف أن أسميَه بغير الـ “بابا” فهو اسم مجرد، كما اسمي وحيدة هو اسمه بابا، ومهما حاولت على كبر أن أُنحي عنه أبوته وأتذكره باسمه مجردا كان ينبثق في خيالي أنه فقط بابا. تجرأت بضع مرات أن أتحدث عنه باسمه المجرد كما واتتني الشجاعة أن أنعته بقبيح ألفاظ، ولكن كلها لم توازِ ما في لفظة بابا من حنق واشمئزاز ورغبة في الصراخ والانتقام والتشفي و و و… أي مشاعر سلبية أو عنف معنوي أو ملموس هو بالنسبة إليَّ المرادف الأمثل لكلمة بابا، وليست بابا خلاصتي كتلك المليئة بالحب والمودة والاطمئنان التي يلفظها بها وليد -آاااه منك وعليك يا وليد- ليس هنا مكانك أو زمانك، ستأتي في حينك فلا تزاحم أفكاري الآن.
أنتِ الآن في عمر الخامسة يا وحيدة، تتذكرين تلك الأيام.
تتذكرين كيف عشتِ سجينة لـ “بابا” وكان هو عبدا للسيدة التي تُشاركنا المنزل، أو -للدقة- السيدة التي كان المنزل بساكنيه الآخرين عبيدا لها طوع مزاجها ورغباتها، رغم أنها لم تنطق يوما ولم تزجر ولم تضرب فإنها الحاكمة بأمرها في هذا المسمى عبثا منزل.
السيدة الصامتة النبيلة قاطنة الغرفة الأكبر في هذا السجن، الغرفة المحرم على شيطانة مثلي الاقتراب منها وبالأحرى دخولها.
بابا.. عبد السيدة الذليل يعيش منذ وعيت لتلبية رغباتها وأوامرها، تهيئة طعامها، كي ملابسها قطعة قطعة من أصغرها إلى أكبر قطعة فيها، يهيئ لها دشا ساخنا ومناشف ساخنة من أثر الكي، حين تنفتح غرفتها يهرع إلى طريقها فيناولها المنشفة ثم يدخل غرفتها مهرولا بينما تستحم فيغير ملاءات سريرها ويأخذ أوعية الطعام الفارغة ويزودها بالقهوة والسكر والجرائد والمجلات والكتب، ويظل يتحرك كالبندول داخل الغرفة ويخرج. بالطبع كنت أستكين في موضع يسمح لي بالتلصص دون أن يراني طبعا كطفلة عرفت أن دخولي محرما بالطريقة الصعبة المهينة والمؤلمة.
ولاقتناء نسختك من إصدارات اسكرايب راسلنا عبر رسائل الصفحة الرسمية:
أو عبر واتساب:
أو هاتفيا: 201099727510+
وتجد إصدارات اسكرايب في فروع مكتبات أخبار اليوم
اعرف عنها من: shorturl.at/ghjzS