مقطع من رواية “وردة زجاجية” للكاتبة مريم نجم

انقضت سنتي الثانية بالجامعة، كنت قد أنهيت امتحاناتي، ومعها أيضًا مرت سنة دراسية في عملي، كنت قد تمكنت فيها من إنهاء المنهج الدراسي كاملًا مع تلامذتي، كنت أشعر حينها أنني حققت شيئًا ذا قيمة، فقد تمكنت من تدريسهم المنهج كله، كنت سعيدة جدًا بنجاحاتي الصغيرة والخطوات الصغيرة، دائمًا ما تكون بداية لنجاحات أكبر.

وفي مساء أحد الأيام اتصلت بي صديقتي تدعوني إلى عرس ابنة عمتها الأسبوع القادم، فقلت لها إنني سأخبر أمي، وإن وافقت سوف آتي، كنت أعلم أن أمي سوف توافق على الرغم من أنها لا تحب حضور الأعراس إلا للمقربين فقط، لكنها تعرف صديقتي وتعرف أهلها، وليس عندها مشكلة في ذلك.

المشكلة كانت عندي أنا، فكثيرًا ما كنت أتردد في حضور مثل تلك المناسبات، سواء كانت أعراسًا أو أعياد ميلاد وغيرها من المناسبات، فكنت لا أحب التجمعات، كنت أشعر أنني غريبة بينهم، أو أنني في مكان ليس لي، وذلك ليس لأنني مختلفة، على العكس فأنا أجد نفسي مميزة، وأحب ذلك، وما جعلني أحب ذلك هو أنني بدأت بحب نفسي متجاهلة نظرات الناس وأحاديثهم الجانبية. بدأت أفعل ما أريد، واقتحام كل تلك الأشياء التي لم يتسنَ لي فعلها من قبل تاركة كل تلك المضايقات وراء ظهري، لكنني لم أعتد ذلك من قبل، وكل مرة أذهب فيها إلى مناسبة أشعر بنفس الغرابة والتميز في حين واحد! ما أغرب ذلك الشعور بالقبول وعدمه في نفس الوقت!

المشكلة بالنسبة لي كانت أنني قضيت فترة طويلة في حياتي بعيدة عن التجمعات؛ التجمعات الوحيدة التي كنت أحضرها هي التجمعات التي كانت تحدث في بيتنا أثناء زيارة أقاربي لي، فقد كنت لا أستطيع الخروج بسبب حالتي الصحية، فقد أجريت عمليات جراحية كثيرة كان الهدف منها تعديل تقوسات العظام، وعلاج المكسور منها والزيادة من طولها، لكنها للأسف لم تنجح كلها، فمنها ما نجح ومنها ما فشل، وقضيت فترة لا بأس بها أتنقل على كرسي متحرك.

تلك الفترة لم تؤثر فيَّ جسديًا فقط بل أثرت في نفسيتي أيضًا، فكان محيط الناس من حولي يقتصر على الأهل وعدد قليل من الأصدقاء، فلم يكن لي زملاء في الدراسة أو في أي مكان آخر، وذلك ما جعل شخصيتي منطوية بعض الشيء، فلم أكن معتادة على تكوين الصداقات أو بدء حوارات مع من حولي، لكني لم أكن أصد من كان يقوم معي بذلك، على العكس كنت أرحب بذلك كثيرًا، فأنا أحب تكوين صداقات، لكن دائمًا كان لدي رهبة البداية بسبب خوفي من رفضهم لي أو معاملتي بشفقة، لكن عندما كانت تأتي الفرصة لبدء حديث مع الناس كانوا يبدون إعجابهم بي، وأنهم كثيرًا ما كانوا يريدون التحدث معي، لكنهم يجدونني خجولة جدًا، ومنهم من يجد ذلك تكبرًا، وذلك ما كان سبب ترددهم في الكثير من الأحيان.

نُشر بواسطة اسكرايب للنشر والتوزيع

دار اسكرايب للنشر والتوزيع، دار نشر مصرية، عضو اتحاد الناشرين المصريين، ‏تمتلك اسكرايب خطة نشر ومشاركات في المعارض الدولية والمحلية ترضي الكاتب ‏العربي. تهتم اسكرايب بالترجمات والأدب العالمي، والمحتوى الذي يساعد على تنمية ‏مهارات وقدرات الشباب العربي، من علوم ودراسات متنوعة‎.‎ وقد وصلت المجموعة القصصية "كأنه هو"، للكاتب البحريني "هشام النهَّام"، الصادرة ‏عن دار اسكرايب للنشر والتوزيع، إلى القائمة الطويلة لجائزة الملتقى للقصة القصيرة ‏بالكويت عام 2023‏

أضف تعليق

تصميم موقع كهذا باستخدام ووردبريس.كوم
ابدأ