مقطع من رواية “دموع العنقاء” للكاتبة سمر التابعي

مرت إجازة آخر الأسبوع بسرعة وسط مرح ولعب وصخب مع أولاده، ثم عاد لجديته بعد إعادتهم سالمين. بدأ بالبحث عن مركز شباب الطلائع بمجموعة اتصالات هاتفية. علم من خلالها أن اسمها الحقيقي حلا، وأنها اختفت منذ سنة عندما تخلت عن طفلتيها وتركتهما تبكيان وتتوسلان باحثتين عنها وسط شفقة وبكاء الأمهات، وسب وقذف الآباء لتلك السيدة التي رحلت تاركة فلذات أكبادها تحت تأثير صدمة مفجعة لم يتخطوها، حتى اضطر والدهما إلى جرهما جرا إلى سيارة أجرة وكأنه يختطفهم!

منهم من توقع سفرها، ومنهم ومن توقع زواجها والبحث عن سعادتها، ولم يتوقع أحد منهم حقيقة مرضها وتعاستها بدونهم، فدائما ما تكون المظاهر خداعة لمن يصدر الأحكام عبثا… ليتنا نتوقف عن تلك العادة التي تجعلنا سجناء لما يسمى بتقاليد ومظاهر اجتماعية بالية!

 إذا فهي تعيش بالقاهرة وحيدة يائسة بين هواجس ماضيها وخيبات حاضرها طوال سنة ونصف بلا عمل أو حياة! لحسن الحظ أنها لم تحاول الانتحار مسبقا وهي بتلك الحالة المثيرة للشفقة. من الواضح أنها ليست الوحيدة التي تحتاج للعلاج، فبناتها بحاجة لإصلاح ما أفسده صراع والديهم.. ترى كيف هو حالهم بعد صدمة قاتلة كتلك؟!

حاول مجدي الوصول للوالد حتى أعطاه أحدهم رقم هاتفه، وعندما أجرى اتصاله أجاب الآخر بود حتى علم هويته، فتحول للعصبية مطلقا اللعنات عليها وعلى بناتها ثم أنهى المكالمة غاضبا. احترق قلب مجدي على هؤلاء الفتيات، وازداد إصرارا على مواصلة البحث، وتوجب عليه التوجه بنفسه للإسكندرية لعله يعثر على خيط ما.. فكانت البداية من مركز الرؤية.

وبعد قطع طرق الإسكندرية ذهابا وإيابا متتبعا القصة حتى نهايتها، توصل من مرتادي المركز إلى مكان يدعى “مؤسسة إنصاف” وهو حديث الإنشاء منذ أشهر مرفق به دار إيواء للأطفال.

عاد إلى القاهرة وهو يخطط للخطوة المقبلة…لقد حان الوقت لمواجهة حلا بمواقعها الجديدة كي تتحرر من دوامتها، فهناك ريم ورهف بانتظار إكسير الحياة…بحاجة إلى أمهما المفقودة كي تعيد لهما ابتسامتهما البريئة مجددا.

اتخذ ذلك الموضوع ذريعة وأجرى اتصاله بحجة طمأنة سارة على مسار الأحداث، لم تجبه في المحاولة الأولى… فتململ بضيق وكرر المحاولة حتى سمع صوتها مجيبا وهي تلهث:

-“مجدي…آسفة كنت منهمكة في ترتيب المنزل… هل من خطب؟”

عادت ابتسامته مجيبا:

-“لا أبدا.. فقط وددت طمأنتك، فلقد عثرت على بنات تلك الحالة التي أخبرتك عنها، وسيجتمعون قريبا بإذن الله”

شعر بتهلل أساريرها من خلال نبرة صوتها وهي تردد:

-“الحمد لله…ليبدلها الله بالخير والسكينة… أود بأحد الأيام التعرف عليها لتشعر أنها بوطنها… هل تعدني أن تسمح لي بذلك عندما يتم تعافيها؟ فهي بحاجة للشعور بالأمان والاستقرار كي تستطيع المضي قدما”

ابتسم وقلبه يقفز من بين ضلوعه إعجابا بقلب حبيبته الكبير وروحها الطيبة التي لم تتأثر بصعوبات الحياة أبدا.. أجابها بصوت متحشرج وهو غارق بحنين واشتياق: “لم تتغيري أبدا يا سارة… بالتأكيد أعدك عزيزتي”

صمتت وقداعتصر قلبها عندما سمعته يردد “عزيزتي” بتلقائية كما كان يلقبها بـ”حبيبته”. أصابه التوتر مما نطقه للتو دون قصد، مما أعادها لجمودها بسبب زلته السخيفة!

تمتم محولا مسار الحديث: كيف حال الأولاد اليوم؟”

أجابته بهدوء: “بخير الحمد لله هم نائمون الآن… سأبلغهم سلامك”

أتم المكالمة بعدما استشعر خجلها وقد اتسعت ابتسامته متذكرا خطبتهم. استسلم للنوم بعد أن تمكن منه الإرهاق مستعدا ليوم طويل آخر غدا وهو يتمتم لنفسه: “مازلت تحبها حتى النخاع أيها الصبي المتلعثم”

نُشر بواسطة اسكرايب للنشر والتوزيع

دار اسكرايب للنشر والتوزيع، دار نشر مصرية، عضو اتحاد الناشرين المصريين، ‏تمتلك اسكرايب خطة نشر ومشاركات في المعارض الدولية والمحلية ترضي الكاتب ‏العربي. تهتم اسكرايب بالترجمات والأدب العالمي، والمحتوى الذي يساعد على تنمية ‏مهارات وقدرات الشباب العربي، من علوم ودراسات متنوعة‎.‎ وقد وصلت المجموعة القصصية "كأنه هو"، للكاتب البحريني "هشام النهَّام"، الصادرة ‏عن دار اسكرايب للنشر والتوزيع، إلى القائمة الطويلة لجائزة الملتقى للقصة القصيرة ‏بالكويت عام 2023‏

أضف تعليق

تصميم موقع كهذا باستخدام ووردبريس.كوم
ابدأ