“الجندي المجهول” بقلم: خضر العلي – مسابقة كورونا الأمل



كتب خضر العلي:


لعلَّ أولَ مَا يَجُولُ بِبَالِكَ عِندَ قرَاءَةِ هَذا العُنوانِ أَنَّ المقصُودَ هوَ أَحدُ الأَشخاصِ الجنودِ في صُفوفِ أحِدِ الجيوشِ وَ أَنَّهُ مِنَ المُقَاتِلينَ الأَشَاوس الذينَ لَمْ يُسجلْ التاريخُ لَهمُ شيءً بينَ طياتِ صفَحاتِهِ ولَمْ يَذكُرَهمْ أَحدٌ قَطْ، بَل إنَّهم اندَثَروا معَ غُبارِ الزَمانِ على الرُغمِ مِما قَدموهُ مِنْ بُطولاتٍ ومعاناةٍ في تَغييرٍ لِهَذا التَارِيخِ…
اعتِقادِكَ صَحيحٌ في مُجمَلِهِ ولكنَّ مَقصَدي هُنا فِي هَذِهِ القصةِ على عكسِ ما تَعتَقِد، فليسَ كُلُ الجنودِ أشخاصٌ..


على مَرِ الزمنِ علمنَا أَنَّ هُنَاكَ الكثيرُ مِنَ الجنودِ الذينَ غَيروا مَجرَى قَبائلَ وأقواماً وشعوب، ولكنَهم لَمْ يَكونوا أشْخَاصاً، بَلْ كَانوا جنداً مِنْ جُنْدِ اللهِ الذينَ لا يُقهَرونَ.


سَمِعنا بطوفانِ نوحٍ الذي غَيَّرَ مجرى الكُرةِ الأرضيةِ ولَم يبقَ مِنها أَحَدٌ سِوى مَنْ أَرادَ اللهُ، وكَذلِكَ بالرِياحِ الصَرصَرِ التي لَمْ تُبقِ ولَمْ تَذَرْ في الأقوَامِ لأَحدٍ أَثَر، وعَلِمنا بقصةِ الطيورِ الأَبابيلِ، والكَثيرُ الكثيرُ مِنَ الجُندِ المختَلِف تَسليحَهُم وَ عَتَادَهُم.


جُنودٌ قَد غَيروا مجرى الأَحداثِ في البشريةِ.. أتوا بأَمرِ رَبِهم ليُهلِكوا كُلَّ مَنْ طَغى وتَكَبرَ وُتجبرَ.. أتوا لِيُعَلموهُم أَنَّ اللهَ ليسَ بغافلٍ عَن أَعمالِهم وما صَنَعتْ أَيديهمْ..
إِنَّ أَكثرَ ما جذبني ولَفَتَ انتباهي فِي هَؤلاءِ الجُنودِ أَنَّهُم أَتوا لِيصلِحوا ما قَدْ صنَعَتِ البَشريةُ مِنْ أَفعالٍ وأقوالٍ شنيعةٍ مليئةٍ بالتَكَبُرِ والجَبَروتِ.. ولَعلَّ لِسانُ حالِ هذا الزمانِ يَبوحُ لَنَا بخفاياهُ ويُظْهِرُ لنا مَا كُنَّا لا نعلَمَهُ.


لَقد كُنتُ على يقينٍ تامٍ بهذهِ المقولة :أَنَّ الساقِي سَيُسقَى بِنفسِ الكَأسِ التي أَسقى بِها غيرهُ.. على مَا يَبدُو أَنَّنا نُسْقى بِنفسِ ِ الكَأس.


فِي الفَترةِ الأخيرَة مِنْ هَذا الزمَانِ تَقَلَّبَ وَجهُ البشريةِ وارتدى قِنَاعَهُ الآخَر.. قِناعُ الشَرِ والشيطانِ.. ازدادَ الفسادُ في الأَرضِ.. تعالى صوتُ الباطِلِ على الحَّق.. تفشى العُنفُ.. تمادى الظالمونَ بِظلمهمْ.. القويُ يقتلُ الضعيفَ.. كلِمةُ الحقِ لا تُسمَع.. أكلُ المالِ الحرَام.. الزِنا.. العَالَمُ الافتراضيُ ومسَاوِئَهُ.. التحايلُ على الغَير.. الفِتْنةُ.. والكَثيرُ الكثيرِ مِما تصنَعهُ الأَيادي البشريةِ التي تَظُنُ أَنَّهُ لَن يقوى على لَيِّها أَحَد.


تعالى اللهُ عَن كُلِّ هَذا.. كيفَ يعتقِدُونَ هَذا وعِندَ المَلِكُ القويُّ ميزانَ عدلٍ لا يُضيُّعُ مِثقَالَ ذرةٍ.
سُبحانَكَ رَبي لا قوةَ لَنَا أَمامَ قُوَتِك.
أَليسَ هَذا الجُندي الصَغيرُ الذي لا يُرى بالعينِ المجردةِ المُسمى “كورونا” أو بِمصطَلحهِ العلميُ “COVID19” أَحدُ الجنودِ الذينَ اختارَهُم الله لِيُطلِعَنَا على حقيقةِ ما اقترَفَتْ أَيدِينَا.. ويُعيِدُ حِساباتِنا مَعَ أَنفُسِنا.. ويُلفِتُ نَظَرنا لِمدى صِغَرِنا وضَعفِنا وقِلَّةَ حيلَتَنا.
أَليسَتِ البشَريةُ الآنَ على حافةِ الهاوية!!


أصبَحَ العالمُ خالياً مِن أُنسِهِ كُلُّ مَنْ فيهِ يَختَبِئُ بمنزِلهِ خَوفاً مِنَ الإصابةِ والموتِ.
الخوفُ يملَأ الأرجاءَ بلدانٌ ومدنٌ كبرى وصُغرى لا تَرى فِيها أَحَد.. خَاويَةٌ خاليةٌ شوارِعُها فارغةٌ.. حَدَثٌ غريبٌ لَمْ يَحدُثْ مِنْ قَبلُ.. مساجدٌ مُقفَلَةٌ.. أَسواقٌ متوقفةٌ.. لا تَجمعاتْ.. لا لِقَاءاتْ.. حتى الحروب قَدْ حَطَتْ مِنْ أوزارِها وسَكَتَتْ.

أينَ هُمُ الأَقوياء الآن؟
لِمن الجَبَروت اليوم؟
لِمَن القوة ُ اليوم؟
هَل سَتَكونُ نهايَتنا قَريبَةٌ!
أَم أَنَّ هَذا الجُندي قَد أتَى لَيُصْلِحَ الإِعوِجاجَ فِينا.
هَلْ سَنُصلَحُ أَم نبقى على حالِنا.. وعلى الحالِ التي تَأمُرنا بِهِ النَفسُ الشيطانِيةُ.
أَلَم يَحِن للصَحوَةِ الكُبرى أَن تَخرُج مِنْ بَينِ كُلِ هَذا الذي يَحدُث.
أَلسْنَا قَادرينَ على أَن نَعتَبِرَ.. وَ أَن نُصْلِحَ حَالَنا ونُخرِجَهَا مِنْ ظُلمَتِها إلى النُور.


كُلي يَقينٌ وأَمَلٌ بِاللهِ أَنَّ الفُرصَةَ لَمْ تفُتنَا وَ أَنَّ كُلَّ هَذا الذي يَحدُثُ لَيسَ سِوى القَليلُ مِنْ عِنِدِ اللهِ عزَّ وجَلَّ، وَ أَنَّ هَذا الجُندي المُرسَل لَيسَ لَتَهلُكَتِنَا، بَل أؤمِن باللهِ حَقَ الإيمَانِ أَنَّهُ مُرْسَلَهُ لِيُصلِحَ اعوجاجِنا، لِيُعيدَ حِسَاباتنا مَعَ أَنفُسِنا، لِيعلِمَنا مَدى ضَعفِنَا، لِيُعلِمَنا أَنَّ قِتالَنا فِيما بَيننا لَيسَ سِوى طَريقَنا إِلى الهَلاكِ.


اللهُ عَادِل ولَيسَ لَديهِ سوى العَدل.
سَيحكمُ العدلُ فينا ذَاتَ يَوم وَ أَرجو مِنَ اللهِ سبحَانَهُ وَ تَعالى أَن تَكونَ هَذهِ الأَيامُ.
احذَروا جُنودَ اللهِ فَهُم لا يُقهَرونَ ولا يُجابهونَ ولا يَقوى عَليهُمُ أَحدٌ.


وَاعلموا أَنَّ هَذهِ الُدنيا مَا هيَ إِلا طَرِيقٌ عَابِرٌ سَتَسلِكُونَهُ أَنتُم وَغَيرِكُم، الفَائِزُ مَنْ عَبَرَ الطريقَ بِرضىً مِنَ اللهِ وَتَقواهُ وَ خَرَجَ مِنهُ بِما كَتَبَ اللهُ لَهُ أَنْ يَكون، والخَاسِرُ مَنْ زَاحَ عَن الطَريق وارتدَى ثَوبَ الظِّلِ الأَسودِ فَعَاشَ حياتَهُ فِي السَوادِ وَلا يلقى فِي الأخرةِ غيرُ السوادِ.


كُلي أَملٌ باللهِ أَنَّ الشَمسَ سَتُشرِقُ مِنْ جَديد وَ تَنثُرُ أَشِعَتَها على هذا الكُون الوَسيعُ، وَ أَنَّ الحياةَ سَتَنبُضُ، وَيَعُودُ النُّورُ لِيَصِلَ إِلى غَياهِبِ الظُلُمَاتِ.
سَنَعجزُ هَذِهِ الأَيامُ عَن الحَل، لكنَّ الله سَيعجِزنَا قريباً بِالحَل..
ثِقوا باللهِ.
وكَما أَشرتُ: السَّاقِي سَيُسْقَى بالكأسِ التي أَسقى مِنها.

النِهايةَ.


إبداعات عائلة اسكرايب

نُشر بواسطة اسكرايب للنشر والتوزيع

دار اسكرايب للنشر والتوزيع، دار نشر مصرية، عضو اتحاد الناشرين المصريين، ‏تمتلك اسكرايب خطة نشر ومشاركات في المعارض الدولية والمحلية ترضي الكاتب ‏العربي. تهتم اسكرايب بالترجمات والأدب العالمي، والمحتوى الذي يساعد على تنمية ‏مهارات وقدرات الشباب العربي، من علوم ودراسات متنوعة‎.‎ وقد وصلت المجموعة القصصية "كأنه هو"، للكاتب البحريني "هشام النهَّام"، الصادرة ‏عن دار اسكرايب للنشر والتوزيع، إلى القائمة الطويلة لجائزة الملتقى للقصة القصيرة ‏بالكويت عام 2023‏

تصميم موقع كهذا باستخدام ووردبريس.كوم
ابدأ