“رفيق رحلة” كتبها محمد شيبة

كتب محمد شيبة:

حنين: ألو، مرحباً رائف، كيف أنت؟
رائف: مرحباً حنين، بخير مادمتِ بقلبي.

  • لا تبدأ مشاكساتك أيها الحالم، أريد أن القاك لأمرٍ هام.
  • ‏حسناً ، متى تودين اللقاء؟
  • ‏اليوم، بعد ساعتين من الآن، لا تتأخر.
  • ‏لا أملك التأخير أمام لهفة قلبي عليكِ.

كان مُفعَمٌ قلبه بكثيرٍ من الحب والشوق إليها. انتهى مما يشغله سريعاً وذهب للقائها، في طريقه مرّ ببائع زهور، ابتاع لها وردة حمراء فواحٌ عبيرها.

الورود عمرها قصير، لم يكن يعلم أن أجل تلك الوردة التي ابتاعها قد كُتب حينها. وأن مصيرٌ مشابه ينتظره.

وصل أخيراً، انتظرها. لاح له طيفها من بعيد، أمعن النظر وعلى وجهه ارتسمت ابتسامة شوق ما لبثت أن تبخرت حين وقفت أمامه. ألقت عليه التحية فردها وهو ينظر لرفقتها في استفهام. يحدثه قلبه أن الأمور بخير ويجادله عقله أن هناك شيء غامض يحدث. مجدداً:

  • مرحباً رائف.
  • ‏مرحباً حنين.
  • ‏هذه صديقتي المقربة. انتهينا من محاضراتنا منذ قليل. هي تسكن بالقرب من بيتنا لذلك ترافقني طريق العودة.
  • ‏مرحبا بكما، تفضلا.

  • تنحت رفيقتها جانباً بينما تمد يدها إليه بشيء مغلف لم يتبينه قائلة:
  • كل عام وأنت بخير رائف، عمر مديد لك محققاً ما تتمنى.
  • ‏أوه! يالها من مفاجأة، وأنت بخير يا عزيزتي، ما المناسبة؟
  • ‏عيد مولدك اليوم أيها المشاكس، كيف تنسى؟

هو لم ينسى ولا يجد تفسيراً لسؤاله المشاكس ربما طرحه عقله وليس قلبه. هو لم ينسى بل يدفعها للحوار دفعاً كأنما ينتشي بصوتها، أجاب:

  • أتدرين؟ أول تهنئة منك.
  • ‏عمر مديد لك ، اتمنى لك السعادة في قادم أيامك.
  • ‏سعادتي في سكناك بقلبي، سعادتي معك يا حبيبتي.
  • ‏لا اعتقد أني سأكون معك يا رائف.

تبدلت نظرته الحالمة وصوته الهادئ إلى جِدّ و توتر، انقباضة عصرت قلبه بقوة. تسائل:

  • ما بك يا حنين؟
  • ‏لا شيء رائف. أنت انسان رائع وتستحق أن تسكن قلبك من هي أفضل مني.
  • ‏لكني اخترت من تسكن قلبي.
  • ‏جيد ، ابلغها وصيتي أن تنتبه لقلبك.
  • ‏ولماذا لا تخبريها بنفسك؟
  • ‏وكيف لي أن اخبرها وأنا لا أعرفها؟ ثم ألا تخشى غيرتها؟
  • ‏أخبريني، هل تغير امرأة من نفسها؟
  • ‏……

عقله يحادثه ان هناك خطب ما في لقاء اليوم، لكنه غير منصت، مشغولٌ هو بكل كيانه بحوارها معه باشتياقه إليها وحبه لها.

  • رائف، ربما لن تراني في الأيام القادمة؟
  • ‏أقدّر انشغالك، فاختبارات العام قد اقتربت.
  • ‏نعم، وربما بعدها أيضاً، وربما للأبد.

  • انقبض قلبه بشدة، علا صوت عقله أن افق يحدث ما اخبرتك به منذ قليل.
  • ماذا تقولين يا حنين؟ لطفاً اوضحي.
  • ‏تقدم لخطبتي قريبٌ لنا.
  • ‏وكيف ذلك وقد حادثت أباكِ في أمر خطبتي لك؟ ومن هذا الذي يتجرأ ويخطبك على خطبتي؟ أم أن الأمر معي ليس جدّيّ!
  • ‏صدقني أنا متفاجئة مثلك، ولا أعلم كيف اتصرف.
  • ‏هل قابلتيه؟
  • ‏نعم ، أتى إلى منزلنا البارحة مع والده.
  • ‏وما كان ردك؟
  • ‏…….
  • ‏موافقة!
  • ‏…….
  • ‏عليّ أن أحادث أباك.
  • ‏لا تفعل ارجوك.
  • ‏ماذا تقترحين؟ أن اقف صامتا حتى يضيعك القدر مني!
  • ‏لا، ولكن ماذا بيدي افعله؟
  • ‏بيدك الكثير يا حنين.
  • ‏مثل ماذا؟

تحدث عقله مرة اخرى، ألم أقل لك! لم تصدقني، لم تستمع لي، تزعم أنها تحبك ولكنها لا تريدك، يا أحمق هي تلعب بقلبك، تبحث عن بعض التسلية ولا يهمها أيّ من مشاعرك او كلماتك او رسائلك.

  • ‏أخبري أمك برفضك، ذكري أباك بخطبتي لكِ، ارفضي هذا الرجل الذي يخطبك، أخبريهم أن لديك اختبارات نهائية ولا تفكرين بالزواج الآن.
  • ‏لا يصلح أيّا من ذلك لانهاء الأمر.
  • ‏ماذا تقترحين إذن؟
  • ‏لا اعلم رائف، أخبرتك لكي تتصرف.

في دروب الحياة، تختار قلوبنا من يشاركنا الدرب، ولكن اختيارنا وحده لا يكفي، لابد أن يختارنا أيضاً هذا الشريك.

في دروب الحياة، إذا قررت أن تشارك احداً رحلته فعليك أن تكون معيناً له على رحلته لا أن تلقي على كاهله عناء المسير والوصول وحده. فرحلة المرء منا في الحياة نوعان: إما أن تكون فردية وتلك أسهل. وإما أن تكون رفقة شريك يختاران بعضهما ليعينا بعضهما على رحلة قد تطول أو تقصر. لكن أن تختار شريكاً لرحلتك ولا يبالي بك ولا يهتم بما تفعله لكي تستمر رحلتكما حتى النهاية، فهذا غُبنٌ بيّن لك ولقلبك ولعمرك الذي ستمضيه في رحلة أولى لك أن تمضي فيها وحدك.

ومجدداً:

  • ماذا تقترحين إذن؟
  • ‏لا أعلم، اخبرتك لكي تتصرف.

عشرة اقتراحات وحلول قدمها لها، عصر عقله بحثاً ومشاورة، استخدم كل ما يمكنه من أفكار لكي تستمر رحلتهما معاً. لكنها رفضتها كلها. يحادثه عقله مجدداً يبدو أنك وقعت في فخٍّ صعب. يحزنني ما أرى. أخبرني كيف لك أن تتشبث بها وهي تفلت يدك في كل مرة.

-أحبها. يجيب قلبه.
-‏ لكنى لا ارى أيّاً مما تفعله تحت مسمى الحب. الحب يا عزيزي أن ترى قلقاً وناراً واضطراباً فيها لأنها ستفقدك وتضل الطريق بعدك، ولا ارى أيّاً من ذلك فيها.
-‏ تعلم ان طبيعة الفتيات الخجل والكتمان لا يظهرن مشاعرهن بسهولة.
-‏ أصادقٌ انت؟ أفق يا عزيزي ، لقد صارحتك بمشاعرها. لست سوى مشفقٌ عليك وإني لحزين لرؤيتك هكذا.

وقفت معلنة أوان الرحيل، نظر إليها في شتات. التقت عيناهما، هربت عيناها من عينيه، لا تريد أن تنظر إليه حتى لا يفضح استسلامها لأمرٍ واقع.

  • أراك بخير رائف. عليّ ان اذهب.
  • ‏وهل ستريني يا حنين؟
  • ‏……..

رحلت وانهار هو في مقعده وضع رأسه بين يديه يفكر في قرار ، مازال قلبه متشبثاً بها وعينيه على هديتها، تذكر الوردة التي ابتاعها من اجلها، امسك بها وهمّ باللحاق بها ليهديها إليها. لكن لاحظ ذبول اطرافها، قربها من انفه ليشم عبيرها لعله يجد فيه أملاً في عودتها. لم تفوح منها سوى رائحة الموت والفراق.

لا تصادق على حب نما في قلبك حتى تختبر حب من اختاره. ولا تتشبث برفيق رحلة يتركك في منتصف الطريق ليسلك درباً غير دربك. واستمع لذلك الصوت النابع من أعمق نقطة فيك ، فوحده الصوت الصادق من بين اصوات الحياة.

إبداعات عائلة اسكرايب

نُشر بواسطة اسكرايب للنشر والتوزيع

دار اسكرايب للنشر والتوزيع، دار نشر مصرية، عضو اتحاد الناشرين المصريين، ‏تمتلك اسكرايب خطة نشر ومشاركات في المعارض الدولية والمحلية ترضي الكاتب ‏العربي. تهتم اسكرايب بالترجمات والأدب العالمي، والمحتوى الذي يساعد على تنمية ‏مهارات وقدرات الشباب العربي، من علوم ودراسات متنوعة‎.‎ وقد وصلت المجموعة القصصية "كأنه هو"، للكاتب البحريني "هشام النهَّام"، الصادرة ‏عن دار اسكرايب للنشر والتوزيع، إلى القائمة الطويلة لجائزة الملتقى للقصة القصيرة ‏بالكويت عام 2023‏

تصميم موقع كهذا باستخدام ووردبريس.كوم
ابدأ