“الإرهاق يغني” كتبها شريف بحيري .. مع تحدي الملل

كتب شريف بحيري:

أنا منهك القوى؛ لأضع سيارتى فى مكان الأنتظار المخصص لى وأصعد إلى شقتى مسرعا
فأنا لم أتناول طعاما طول النهار وأريد ان أتابع أصدقائى على موقع التواصل الاجتماعى،
وأهم شىءأن أستحم؛ إنها فكرة جيدة قد تساعدنى أن أزيل هموم اليوم و تعبه ؛ لا بل أريد النوم .
وضعت أغراضى جانبا، وذهبت للحمام، أشعلت السخان فهو يعمل بالغاز؛ فأنا لا استطيع
تحمل برودة الماء رغم أن الجو معتدل وليس بالشتوى.
أغلقت الباب فأنا لا استطيع الأستحمام والباب مفتوح رغم أنه لا يوجد أحد معى بالشقة.
خلعت ملابسى تمام، و جهزت المنشفة لتكون قريبة لى؛ وأحضرت صابونة جديدة كبيرة ذات عطر مميز.
فتحت صنبور الماء الذى إنساب فوق رأسى وسال على جسدى؛ شعرت أن الماء يأخذ معه الأرهاق وينساب جاريا إلى فتحة المصرف .
كنت أغنى؛ وبدأت أعجب بصوتى؛ أنطفاء النور فجأة؛ فأنتبهت وتوقفت عن الغناء، ومازلت فى مكانى ينساب الماء على رأسى؛ أعتادت عيناى الظلام على الضوء الخافت الصادر
من شعلة السخان، فأصبحت كضوء القمر فى الليلة الظلماء، ظهرت أضواء الشارع من نافذة
الحمام؛ إذا النور إنطفاء عندى فقط؛ لم أهتم كثيرا؛ الظلام جعلنى أستمع إلى الضوضاء
الصادرة من الشارع.
شعرت أن الماء أصبحت قطراته أثقل ودرجة حرارته تزداد مع الوقت، لم يعد جسدى يحتمل سوف أحترق تحت صنبور المياه ؛ نظرت للسخان وجدت شعلاته قد ذاد لهيبها؛ حاولت أن أخفضها ولكنه لا يستجيب؛ بداءت أحترق بالفعل؛ لم أعد أسمع ضوضاء الشارع؛ سمعت كأن حجر كبيرا سقط فى منتصف الشقة.
شعرت بالذعر، وأتسعت عيناى كأنى أريد أن افهم ما حدث بالخارج؛ لكن لهيب الماء لم يدع
لى فرصة للتفكير سوى بالقفز بعيدا عنها.
خرجت مسرعا إلى الصالة وقطرات الماء تنساب منى؛ فوجدتها تجلس على الكرسى و تضع ساق على ساق و تبتسم ابتسامة هادئة .
جحظت عيناى للخارج؛ وتراجعت للخلف، وكدت أن أفقد توازنى فالأرض مبللة؛ نظرت
حولى وجدت الظلام يفرض سيطرته، نظرت إليها ثانية أنى أراها بوضوح، إبتسامتها لا تغيب؛ وكلماتى تاهت فى ظلمة الليل وهزمها الفزع؛ ناديت على شاجعتى لآستطيع الكلام؛ فقلت:

  • من أنت؟.. وكيف دخلت إلى هنا؟.
    لم أجد سوى ابتسامة هادئة تحولت إلى ابتسامة عريضه؛ أسنانها ظهرت ليس كأسنان البشر؛ بداءت ضحكتها تعلو شيأ فشيا حتى أصم صوتها أذنى؛ لم أعد أتحمل طنين الصوت، وضعت يدى على أذنى، وهنا إنتبهت أنى عارى تمام أمامها؛ فجريت سريعا لآدخل الحمام لآحضر منشفتى؛ فأنزلقت قدمى على الأرض، وتألمت كثيرا؛ وسمعت نفس صوت الأرتطام فى الخارج. وقفت ووضعت المنشفة حول خصرى؛ خرجت وأنا اتألم، وبخطوات بطيئة محاولا أن أسترق السمع؛ وجدت الصمت يرد على، فتحسست الطريق لغرفتى، فجأة سمعت صرخة قوية فى الصالة وعاد النور للمكان، فزعت، وأنتفضت فى مكانى؛ وجريت سريعا لداخل الغرفة.
    بحثت سريعا عن ملابسى واخذت أخطفها من مكانها بكلتا يدى، وإرتديها مرتبك؛ مما جعلنى أحاول إرتداءها مرات؛ فطلبت من نفسى الهدوء؛ وأتمت إرتدأ ملابسى؛ وأخذت أفكر فى السيدة الموجودة فى الخارج و صوت الصرخه المفزعة .
    سمعت صوت أقدام تقترب من غرفتى؛ فتسمرت فى مكانى، هل التفت أم اظل هكذا أنتظر
    الضربة القادمة على رأسى؟؛ وجدتنى بدون إرادة التفت إلى الخلف؛ فشهقت وتوقفت أنفاسى وأمتنعت رئتى عن الصعود والهبوط؛ لقد شاهدتها أن منظهرها مخيف حقا؛ فقلت لها وأنا
    أرتجف فزعا:
  • كيف ظهرت والنور يملاء المكان؟.
    لم تجيب، ورفعت يدها لآعلى؛ فارتعشت رعبا؛ فأشارت للمصباح فأنطفاء؛ أبتلعت أنفاسى؛ لاأعرف ما هو القادم !، بدأت تقترب ،وأنا أتراجع للخلف، الظلام يحيط بى ؛ ضحكاتها الهيسيرية تفزعنى؛ تقترب أكثر؛ سقطت على الأرض؛ أقتربت منى حتى كادت أن تلامسنى؛ لم التفت لألمى؛ أو فزعى من وجهها القبيح؛ جمعت كلماتى؛ وبصوت مرتعش :
  • ماذا تريدين منى؟.. من أنت؟.
    أقتربت اكثر، لاحظت إحمرارعينيها؛ أصدرت صوتا خافتا وقالت:
  • أنا أحبك .. وضحكت.
    تغير شكلها من المنظر المخيف إلى وجه إمرأة جميلة الوجه؛ سوداء العينين؛ شعرها ناعم طويل ذو لون أسود لامع .
    أخذت نفسا طويلا؛ وسألتها مرتبكا:
  • كيف تغيرت؟ لقد أصبحت إمرأة ناضجة شديدة الجمال ومثيرة جدا.
    نهضت من فوقى، وأشارت إلى إضاءة الغرفة، فعاد النور مرة أخرى؛ وأتجهت إلى فراشى وجلست عليه بدلال وهى تنظر لى بكل إغراء؛ ثم غمزت بإحدى عينيها وضمت شفتها السفلى
    للداخل ثم قالت فى رقة ودلال:
  • أنا أحبك .. أنت حبيبى.. ولقد جئت إليك.. لقد فاض بى الشوق.. لم أعد أحتمل بعدك عنى .
    أستجمعت الكثير من شجاعتى، وإعتدلت فى جلستى على الأرض، وجلست القرفصاء، وبنظرة
    سخرية منى قولت :
  • هل من يحب أحد يميته حرقا تحت ماء السخان؟ !.. أو يفزعه بهذه الصرخات الغريبة؟!.
    نهضت واقفا أعاتبها، وأكملت كلامى :
  • ما هذا المنظر القبيح الذى دخلت به على؟.. لماذا لم تكونى حسناء المنظر جميلة الصوت حلوة الخطى منذ البداية؟.
    ضحكت ضحكات رقيقة، ثم ضحكت ثانية، حتى ظهر على وجهى علامات التعجب فلم أقل شىء
    كوميديا، فغيرت ملامحى لمحمل الجدية, وأتخذت علامة الغضب .فما كان منها إلا أن أستمرت
    فى الضحك وقالت:
  • لم أكن أقصدك أنت.. بل كنت أطرد الحراس الذين لا يبعدون عنى ولايفارقونى أبدا.. فلم يكن بد من طردهم.. ولن يقتنعوا إلا أن يروا علامات الغضب علي.. فخافواعقابى .. ونفذوا الأمر وذهبوا إلى والدى يشتكوا إليه أفعال معهم.. أنه ذو مكانة كبيرة فى عالم الجان وضحكت ثانية. هنا كدت أسقط ارضا؛ وذادت دقات قلبى؛ وتصببت عرقا؛ وقلت بتوتر:
  • ما معنى ما قلتيه؟.. هل هذه علامات الغضب عندك؟.
    فهزت رأسها بعلامات الموافقة.
  • هل أنت معك حراس؟.
    فهزت رأسها ثانية بالأيجاب، فقلت:
  • من الجن؟.
    فأبتسمت ونهضت، وأخذت عدة خطوات حتى أصبحت أمامى تمام، وأمسكت بيدى اليمنى وقالت :
  • لا تقلق حبيبى.. فأنا جئت هنا لآنى أحبك.. لن أفزعك.. لن أخيفك أبدا.. أنا هنا مصدر سعادتك .
    لم أتمالك نفسى من المفاجأة نزل على صمت وأخذت أفكرفيما يجب أن افعله أو أقوله.
    تحبنى، أنا لا أكاد أصدق لم يخطر على بالى أن أمر بهذا الموقف، وبنظرات ذائغة وبصوت مرتعش قلت:
  • ماذا تريد؟.. هل تريد حبى؟.. كيف أحبك وأنا لا أشعربك أو أفهمك؟.. كيف أحبك و أنا لا أعرف كيف تفكرى؟.. كيف أحبك وأنا لا أستطيع تقدير ردة فعلك؟.. كيف أحبك وأنا لا أعرفك .
    ردت و ملاء صوتها حنان يذيب القلب
  • لا داعى للتفكير.. كل ما عليك هو أن تحبنى.. وأنا سوف أغدقك عليك من اشواق وحبى لك .
    نظرت إليها تتملكنى الحيرة وطارت من رأسى الأفكار، لم أعد أستطيع أن أفكر فقلت لها
  • هل يمكن أن تأتى فى يوم آخر؟.. فأنت اليوم قد فأجاتنى .. وأشعر أنى لن أستطيع أن أبادلك الحب هذه الليلة.. ولا تنسى وقع المفأجاة على لمعرفتى أن أمراة تحبنى ومعجبة بى.. وأيضا ليست أمرأة عادية.. أنها من كبار قومها.. ومن عالم آخر لا اعرفه.. أتمنى أن تتفهمى موقفى وتساعدينى أن أحصل على الهدوء حتى أستطيع أن يستوعب عقلى ما مررت به الليلة وأنسى
    أرهاقى .
    أقتربت وأخذت بيدى الأخرى، وفردت ذراعينا ممدودة لأسفل؛ وحركت قدميها للأمام
    أكثر حتى التصقت أجسادنا، بدأت أشعر بحرارة غريبة، وصوت أنفاسى يرتفع؛ وجهها أقترب
    منى؛ يا لها من أمراة جميلة كم كنت أتمنى مثلها؛ أقتربت حتى كادت أن تلامس شفتاها شفتاى
    وأغمضت عينى وأصبحت فى عالم أخر، وتهيئت لقبلة مختلفة؛ قبلة جديدة تجمع ما بين عالمين؛ قبلة قد تغير حياتى؛ لعلها حياة أو حلم ليس مهما الأن؛ عليا أن أستمتع بما هو أت .
    أسمع طرقات قوية على الباب؛ صوت صرخات تأتى من الخارج؛ جارتى تنادى على بصوت
    عالى يملوه الفزع والخوف؛ مع إستمرار الطرق على الباب؛ فتحت عينى؛ لا استوعب كم
    الساعة أو فى أى وقت أنا؛ مازل صوت جارتى ينادى على بأستغاثة ؛ أفقت وجريت مهرولا
    تجاه باب شقتى، فتحت الباب دون تفكير وعيناى لا ترى أمامى بوضوح؛ فلم يظهر سوى
    وجة سيدة تنظر إلى وتصرخ بوجهى، وحينما وجدتنى لا أستوعب ما تقول أزاحتنى من أمامها
    بكل قوة وكدت أسقط أرضا، ودخلت لشقتى مسرعة، وهى تلقى على بكلمات اللوم والعتاب وإتجهت إلى مصدر الغاز بالمطبخ، وكأنها تعيش معى، وأغلقته ثم توجهت إلى الحمام وأنا خلفها
    لا أستوعب ما يحدث سوى أن هناك دخان كثيف يخرج من الحمام لقد أحترقت الستارة الموجودة بالحمام، وكادت أن تقضى على الشقة وشقة جارتنا.
    ساعدتها فى إطفاء النار، وفتحت النافذة لآخراج الدخان .
    عدنا إلى الصالة فى حالة من الأعياء الشديد والقينا بجسدينا على أقرب كرسى منا وفردت
    جسدى، وباعدت بين ساق، وأخذت أنفاس بصعوبة، جلست جارتى أمامى تحاول أن تستجمع أنفاسها وتمنع إنسياب شعرها على جبهتها.
    نظرت إليها شاكرا، تحولت نظرتى إلى أندهاش فهى تشبه الجنية التى كانت معى؛ فقلت:
  • ماذا حدث؟
  • لقد سمعت خطواتك وأنت تصعد سلم العمارة فلقد كنت أسبقك بعدة خطوات.. ولكن يبدو
    أنك كنت مرهق لم تشعر بخطوات على السلم .. وبعد دقائق سمعت صوتك يغنى بالحمام.. لم
    أهتم كثيرا بذلك.. فأنت تعرف أن نافذة الحمام عندى تجاور نافذتك.. وفجأة سمعت صراخك وأستغاثتك.. ثم صوت أرتطام قوى على الأرض.. فى البداية لم أهتم بالأمر فلقد حدث هدوء تام
    بعدها.. لكن ما أزعجنى بعد عدة دقائق.. وجدت أن بعض الدخان بدأ يتسرب إلى داخل شقتى وشممت رأحته.. وبحثت عن مصدره فوجدته من شقتك.. فلم أشعر بنفسى إلا وأنا أطرق بابك .
    كانت تتحدث وأنا تذكرت نفسى حين كنت أغنى لأقضى على أرهاق فوجدتنى بدون تفكير أطلب منها الزواج .
    تمت

إبداعات عائلة اسكرايب

تحدي الملل

نُشر بواسطة اسكرايب للنشر والتوزيع

دار اسكرايب للنشر والتوزيع، دار نشر مصرية، عضو اتحاد الناشرين المصريين، ‏تمتلك اسكرايب خطة نشر ومشاركات في المعارض الدولية والمحلية ترضي الكاتب ‏العربي. تهتم اسكرايب بالترجمات والأدب العالمي، والمحتوى الذي يساعد على تنمية ‏مهارات وقدرات الشباب العربي، من علوم ودراسات متنوعة‎.‎ وقد وصلت المجموعة القصصية "كأنه هو"، للكاتب البحريني "هشام النهَّام"، الصادرة ‏عن دار اسكرايب للنشر والتوزيع، إلى القائمة الطويلة لجائزة الملتقى للقصة القصيرة ‏بالكويت عام 2023‏

تصميم موقع كهذا باستخدام ووردبريس.كوم
ابدأ