“لكنك خذلتني” قصة قصيرة للكاتبة نرجس بركات .. مع تحدي الملل

كتبت نرجس بركات:

بعدما تداولت الصحف والمجلات خبر وفاة عائلة بأسرها في حادث مرور عظيم راح ضحيته عشرة أشخاص ولم ينجو منه سوى فتاةواحدة ….
هاهي الفتاة تقف اليوم فوق المنصة الشرفية لتكرم على تحصلها لشهادة البكالوريا بتقدير ممتاز ، طلب منها مدير ثانويتها أن تتقدم بالشكر لمن ساندها فراحت تحضر نفسها قائلة:
الشكر لروح أمي التي كانت تزورني في حلمي لتريني صوري وأنا أشع حياة و لروح ابي الذي كان يشتري لي الادوات التي لم يعد يشتريها لي أحد ولروح أخي العزيز الذي كان سندا لي ،رحمهم الله

أنا هي وردة طلبت عرض صورها قبل الحادثة وراحت تعلق الفتاة التي كنت يوما في نظر أمي رمزا للجمال انا التي كان حبيبي يغازلني ليل نهار أنا التي دنوت إليه دنو الزهرة الذابلة للأرض ،قبلت يداه و أنا أركع أمامه كجثة حية ،بكيت و أنا أذرف آخر دموعي أمامه ،صرخت حتى كادت أحبالي الصوتية تتلف ،آذيت نفسي كثيرا لأجله …
أيكفي هذا كله ليعلم أني حقا كنت أحبه ؟ لكنه خذلني و تركني يوم زارني في المشفى هو وأمه ،يقول أن أمه طلبت منه الارتباط بفتاة أخرى فبوجهي البشع لا يمكنه الزواج بي ..وهاأنذا أراه يفر مني فرار الروح من الجسد .
وردة صاحبة الابتسامة التي طردت بها كآبة حبيبها في حال حزنه التي كانت تقف أمام المرآة لتتزين حين يزورها الإكتئاب …

الآن أقف أمام حشد هائل من الأساتذة و مدير الثانوية لتكريمي ،و روح أمي وأبي واخي هناك في آخر نقطة في المدرج .
أنا وحيدة الآن لا أهل لي ولا سند حتى جمالي خذلني ورحل معهم ،أقف أمامكم اليوم بأبشع ما أملك ،أقف أمامكم بوجه مشوه وأسنان محطمة لأشكركم جميعا على تكريمكم لي وشكرا للإلتفاتة الطيبة .
مرحلة الجامعة كانت بالنسبة لوردة من أبشع المراحل التي لم تعشها كلها …. تعرفت وردة على فتيات في الإقامة لطالما أخبرنها أنها ببشاعة شكلها لن تتمكن من جذب أي رجل نحوها وبهذا لن تتزوج ،لم تكن تبدي إنزعاجها منهم لأنهن كان يقلن الحقيقة _

إنحازت وردة نحو فئة الفتيات الطائشات وعرفتها إحداهن على شاب أعجب بجمال وردة قبل الحادث فاقترح عليها أن يقدم مبلغا ماليا كبيرا لإعادة جمالها في إحدى مراكز التجميل و في المقابل أن تقوم هي بإشباع غريزته الحيوانية .
-وجدت وردة نفسها وحيدة بعد فقدانها لأعز ما تملك و كانت حياة الجامعة بالنسبة لها حياة قاسية جدا فلا أحد يعيلها ولا أحد يساعدها في مصروفها اليومي سوى أنها اعتادت على مهنة الخياطة والتطريز التي سرعان ما توقفت عنها بسبب الندبة التي تركها فيها الحادث ،فقد مر زجاج النافذة المكسور ليقطع شفاهها مرورا بعينها اليمنى .

-بعدما وعدها الرجل المدعو مصطفى بأن يقدم لها المبلغ المالي للعلاج وافقت وردة على طلبه، بعد تفكير عميق وافقت أن تبيع شرفها مقابل جمالها الذي كان الأمل الوحيد في عودتها للحياة .
لكنه وكأي شيطان في هيئة رجل أخلف وعده ولم يعد ليلتقي بوردة منذ شهر من قبولها بطلبه ….
سرعان ما شعرت وردة بثمرة الخطيئة تتحرك في أحشائها وأدركت أنها كانت فريسة سهلة الصيد ،فلم تكن ترى سوى الإنتحار لتتخلص من المعاناة التي كانت تعيشها وأن تخلص الطفل الذي كان ينمو في أحشائها من عناء الحياة المجهدة …

انتهت مأساة وردة وهي ترمي بنفسها من اخر طابق في الإقامة الجامعية ،ليتم العثور عليها ممددة غارقة في دمائها وبين يديها رسالة كتب عليها
إلى من أحببته أولا .إلى من خذلني

إبداعات عائلة اسكرايب

تحدي الملل

نُشر بواسطة اسكرايب للنشر والتوزيع

دار اسكرايب للنشر والتوزيع، دار نشر مصرية، عضو اتحاد الناشرين المصريين، ‏تمتلك اسكرايب خطة نشر ومشاركات في المعارض الدولية والمحلية ترضي الكاتب ‏العربي. تهتم اسكرايب بالترجمات والأدب العالمي، والمحتوى الذي يساعد على تنمية ‏مهارات وقدرات الشباب العربي، من علوم ودراسات متنوعة‎.‎ وقد وصلت المجموعة القصصية "كأنه هو"، للكاتب البحريني "هشام النهَّام"، الصادرة ‏عن دار اسكرايب للنشر والتوزيع، إلى القائمة الطويلة لجائزة الملتقى للقصة القصيرة ‏بالكويت عام 2023‏

تصميم موقع كهذا باستخدام ووردبريس.كوم
ابدأ