كتبت نوادر إبراهيم:
قبل أيام انتابني القلق حيال بعض خطواتي الماضية، رغم أنها مضت إلا أنني ما زلت أفكر بها، أنا ببساطة تستهويني الصور القديمة، المطر والتلال، بقاع الذكرى ونَّدَبُ الأشواق، جموح الكلمات وباقي الندم، تستفزني عيون الصغار تحت نفق المدينة وبعض التعب يسكن نظراتهم، تستدرجني ثياب الأَيَاَمى وقد مزقت الوحدة ألوان طرقاتهم فكان خضاب البؤس سيدًا وملكا؛ كل هذه الأشياء وأكثر تجعلني أفكر بأمسي وأغوص عمقًا طويلًا في فضاء الفكرة، ربما فكرة هشة ستتلاشى من نفخة زفير أهوج، ربما فكرة لزجة تعانق حبال العقل بذكاء حتى تكاد تقضي عليها بثمالة ولهب، ربما فكرة ما زالت في أحشاء الغيب والزوال، وما زلت أشاطر ليلي بعض رؤى الماضي الرمادية، ما زالت الأغنيات تعاقب سمعي بلذة وحنكة، تردني إلى رشد الألحان.
بينما تناغم القوافي يشدني نحوه دون رأفة، أجدني معلقة بين سماء الأنا وأرض الواقع الذي ينكرني وينبذ لمساتي، أكاد أفقد الوعي والبصيرة، أرقص بهدوء مغرٍ وأبكي بجنون حد الهذيان، فتكبلني أصوات المجهول بسلاسل من ضياء في حصنٍ منيع، لكن عتمتي تلتهم كل هباءةٍ تبشر بالنور، كأنها لعنة تفج بين الصلاح والرجس، تدعي اسعاد القلوب فتغدر بها حتى تدمع فتكفر بعقيدة الابتسام، ثم لا يبقى شيء على عهده، كل الملامح تندثر في مواجهة الحقيقة، كل شيء عارٍ من أقنعة الحياة، أنا وأنتم والمرآة أمام فناء الروح، نحاول اقتسام قماش شفاف يدعى الحب، نتوارى به، نتجمل بأطرافه علنا نحتشم ونظفر بثوب جديد، وهوية مختلفة، علني أجدني في قلب أحدهم، أنظم ما استطعت من الحروف، أطرز كل المواسم لأجله، أرتدي نظراته معطفا وعطفا.
أستطيع تفصيل ذاك الحب على مقاس هذا الكون لأهرب به إلى عوالم ساحرة، لم تكتشف بعد سأكتشفها أو سنكتشفها معًا، عوالم من شغف وصبابة، عشق جياش، وقتئذ بعض التمرد لا يضر، وبعض سلافات العمر مباحة، وكل العقل يؤيد خطواتنا المترنحة فيشاركها الكأس والرشفة.