“ليلة الحظر” .. الكحول علينا حق!

كتبت سومية نبيل “سومية الألفي”:

بعد عناء يوم طويل، من الكنس والمسح، وبينهما طبخ وغسل للصحون، دوامة لا نهائية؛ وكأن هذا الوباء جاء وبالًا على النساء. جلست بكرسيها المفضل، أمسكت بكتاب من على المنضدة أمامها، لم تنسى زجاجة الكحول، عدة بخات على غلاف الكتاب كانت كفيلة بإراحة ضميرها. بضع دقائق ثم لمعت عيناها، وتبدلت ملامحها، وكأن كل التعب ذهب حين تعمقت داخل الصفحات، زاد اندماجها، فبدأت تقرأ بصوتٍ عالٍ…

ألا هبي بصحنك فاصبحينا
ولا تبقي خمور الأندرينا

_ الله الله، لأول مرة تقرأين شعرًا عليه القيمة، هبي بصحونك كلها (يا ولية) ولا تبخلينا.

نظرت له نظرة استهجان، وقالت بصوت يملأه الغيظ:
_كل شعري ذو قيمة أيها الطفس، ألم تشبع؟! تأكل مثل الجراد، طبخت مرتين اليوم، هذا غير الفواكه والحلويات والمكسرات والذي منه، ثم أن الصحن هنا ليس مثل صحن البامية باللحم الذي نسفته منذ قليل، المقصود هنا كأس الخمر ..

_ خمر! أوَ تعلمين يا زوجتي العزيزة؟ هذا ما ينقصنا في ظل هذه الأنتخة العظيمة، كأس بيرة (مشبرة) تهضم البامية وصينية الكنافة، وبعدها ترتدين (كمامة مدندشة) وتتعطرين ببخات مكثفة من الكحول أبو تسعين جنيهًا، وتكون ليلة حظ…

زفرت زفرة مفادها أن (رحماك يارب) وعاودت النظر في كتابها، عله يهدئ ضغطها الزائد. وآثرت القراءة في صمت..

بضع دقائق مرت ظل فيها زوجها يغير بين قنوات التلفاز، ويتقلب على الأريكة كدجاجة ترقد على بيض فات ميعاد فقسه. أخيرًا، قام من مكانه ودخل غرفة نومه، وهي تتابعه بعينيها دون أن تتحدث…

عاد مرتديًا بدلة سهرة فاخرة، وجلس على الأريكة بنفس موضعه السابق، كانت قد تعمقت بالقراءة ولم تلحظ هيئته، اغتاظ من تجاهلها، فتظاهر بالسعال، يعلم مدى ارتعابها من الفيروس الجديد، قامت مسرعة وأحضرت له علبة المناديل وأجهزت عليه ببخاخ الكحول، لم تتوقف إلا حينما لاحظت البدلة…

_ أليست هذه بدلة عرسنا؟!
نعم هي. قالت بنبرة شامتة وهي تضعها يديها بخصرها وتهز جسدها: لِمَ ترتديها الآن، ألا تعلم أن الحظر مفعل ولا خروج؟!

قام من مكانة منتفضًا كالديك الرومي:
_ أعلم، ولكني أردت الاحساس بالتغيير، مللت البيت، والتلفاز، والأريكة، مللت هذا الكتاب، مللتك أنت شخصيًا(وهو يوكزها بكتفها)

_ حسنًا، لن تخرجني عن شعوري مثل أمس، تريدنا أن نتخانق ويعلو صوتنا حتى يأتي جارنا سعيد ويصطحبك معه (للروف) تقضيان السهرة مع الشيشة حتى الصباح وأجلس هنا وحدي، هذا بعيد عن شوارب والدك زوجي العزيز.

_ وهل أرتدي البدلة للشيشة يا أم مخ مظلم؟
_ إذًا، ماذا تخطط لليوم أيها العبقري؟

تلجلج، وبدأ يهرش في رأسه كأنه وقع في شر أعماله، رد بتلعثم:

_ سوف أقول الحقيقة، ولكن عديني بأن تهدأي.

لعب الفأر بصدرها. ولكن لا بأس من مجاراته.
_ حسنًا، أعدك.
_ تعرفين جارتنا صافي الراقصة؟!

امتلأت عيونها بالغضب وبدت كتنين على وشك أن ينفث نارا.

_ ما شأنك بتلك الراقصة، ألم أحذرك منذ وصولها إلى هنا ألا تحاول الاقتراب منها؟!

بدا كفأر داخل مصيدة، كل الكلمات والأفكار طاشت من رأسه.

_ أحلف لك أني ما خالفت كلامك، إنه جارنا سعيد أخبرني بالأمس أن صافي سترقص الليلة في شقتها، وستبث الرقصة مباشر لكل محبيها المحظورون من الخروج، وسمحت بالحضور لمن أراد أن يحضر من الجيران..

اشتاطت غضبًا، وبدأت تفرك في بعضها، لا على حامي ولا بارد، لا تدري ماذا تفعل بزوجها الذي أغرقه عرقه، فهو يعلم مدى غيرتها عليه، خاصة من تلك الراقصة ذات الجسد الملبن (مثلما يطلق عليها).

جلس هو على الكنبة، ينفث بدخان سيجارته الملتهبة، يفكر في مصيره بتلك الليلة الليلاء، يسب سعيدًا ومعرفته السوداء، وصافي وجسدها الملبن، لا كله إلا الملبن، (حدثه عقله).

وهي على فركها، تفكر ماذا تفعل في بعلها الحبيب، أتقتله وتنتهي من تصرفاته العجيبة، أم تغرقه بالكحول وتعالج نزواته بالكبريت. وبينما هما كذلك، إذ تبدلت ملامحها من النقيض للنقيض، وتحولت من أسد يريد أن ينقض على فريسته، لقطة سيامي ناعمة تتمسح بزوجها..

قالت وهي تمسح بيدها على وجهه
_ لن أخنقك أكثر من ذلك، يكفي عليك الحظر وأيامه، وأنا أعلم مدى كرهك للبقاء في المنزل، اذهب يا حبيبي، ولكن لا تتأخر علي، فأنا سأحضر لك مفاجأة لن تنساها أبدًا ( ضغطت على طرف شفتها السفلى وغمزت له بطرف عينها)

لم يصدق ما سمع بأذنه، فتح فمه كالأبله، ربتت على كتفه وهي تدفعه باتجاه الباب..
_ هيا حبيبي، كي لا تتأخر عليّ.

وما إن خرج من الباب واطمأنت لصوت خطواته على السلم، حتى أمسكت بهاتفها…
_ ألو، بوليس النجدة، أريد الإبلاغ عن صينيين ومصريين يخالفون الحظر، ويقيمون حفلاً بشقة الراقصة صافي…

تمت

إبداعات عائلة اسكرايب

نُشر بواسطة اسكرايب للنشر والتوزيع

دار اسكرايب للنشر والتوزيع، دار نشر مصرية، عضو اتحاد الناشرين المصريين، ‏تمتلك اسكرايب خطة نشر ومشاركات في المعارض الدولية والمحلية ترضي الكاتب ‏العربي. تهتم اسكرايب بالترجمات والأدب العالمي، والمحتوى الذي يساعد على تنمية ‏مهارات وقدرات الشباب العربي، من علوم ودراسات متنوعة‎.‎ وقد وصلت المجموعة القصصية "كأنه هو"، للكاتب البحريني "هشام النهَّام"، الصادرة ‏عن دار اسكرايب للنشر والتوزيع، إلى القائمة الطويلة لجائزة الملتقى للقصة القصيرة ‏بالكويت عام 2023‏

تصميم موقع كهذا باستخدام ووردبريس.كوم
ابدأ