فريسة جديدة لتحدي الملل مع “التباس”

كتبت أميرة إسماعيل “إيمي إسماعيل”:

دخل بيتي وهو يظن أنه تصيد خطأ عميقاً، سيحد به من حريتي ويكبلني بسلسلة عقماء من اللامبالاة النفسية، طرق كل الأبواب وهو يساير عقله بحربه الجديدة يحاول أن يتوصل لحل تلك المعضلة القومية التي تؤرق نومه المسكين الذي طارت كل امنياته بالسكينة والرخاء في تلك الفترة التي تخللت بها الدعاية والإعلانات نشيجاً متكرر دائماً كما تردد الببغاوات “برجاء التزام الحرص والسلامة حفاظاً على حياتكم”، جملة أشبهت الترنيمة الابتهالاية عندما كان يكررها وجوه ورموزٍ معروفة من الفريق الأول الذي يترأس المشهد المنتكس على أعقابه الخاوية، صاحبَ تلك التهويدة الإنشادية سخرية محضة ممن هم بنهاية المشهد المأسوف على أعقابه الفولاذية من هؤلاء الرعناء المتغنين والمتهبديين بكل كارثة طبيعية وغير طبيعية كمن يعلنون عن أنفسهم كساحة مفتوحة لقيام نقاشات مؤدلجة لإبعاد المنظور الحقيقي عن القضايا الواقعية تجنباً لتلك الكارثة القادمة التي تُنَخوِر عالمهم بكل طَيعٍ وبراءة، تتشعب بمنطقها الغير متناهي الصغر بقضية راسخة تندثر تردداتها المسموعة فتكاد تصبح ارسال بعد منتصف الليل الذي يحمل بين طياته تلك الرسالة التي استلمتها منذ شهر كانون الثاني مُحدِدة موعد ضحكتي الأخيرة على تلك الدراما المفتعلة لتغطية المشهد الذي يتم بثه من خلال الأقمار الاصطناعية قديمة العهد في الفضاء.


فقط باقي من الوقت المحدد لقيام تلك اللعبة خمسة أيام وبعدها تتغير ملامح المشهد المتروك بالساحة، ضحكت ملء الفم الأرعن عندما سمعت هذان الشابان وهما يجلسان بالمقهى الأثري يتبادلان حديثهم المختل “هل تظن أن العالم سينتهي بحربٍ باردة أم بحربٍ نووية؟”
ولم استطع كتم تلك الضحكة الساخرة التي ظنها الجميع لهذا الرجل الذي يهين الفريق المنافس بينما كان الشاب يجيبه ” أي حروب تلك التي ينسجها خيالك الواسع، نحن في عالم التقدم والتطور التكنولوجي، عندما يريدون القضاء علينا فقط سيضغط زر التفعيل وتنطلق المركبات الفضائية بأشعتها الفوق بنفسجية لتذيب طبقة الأوزون ونختنق”.


ما تبادر بذهني سوى كلمة واحدة لهم “حمقى” لا يعلمون أن الموت أقرب لهم من كبسة زر هي فقط رسالة هاتفية من رقم مشفر الإحداثيات يتبعها رذاذ غير مقصود وهدف مقصود وستصبح كل انطباعاتهم السابقة مجرد لعبة فراشة حلمت بها ابنتي في حفل تتويج الطالبة المثالية، مبادرة محسوبة وتعتيم غير مقصود وتنتهي حرب العوائل وتعود تلك الثقافات المتعددة لموطنها الأخضر وسأستولى أنا على حكم الغوغاء المرتحلين بكل صوب.
لم أُعاني كل تلك الأعوام من انتحالِ لشخصية هذا الأبكم الذي قضى نحبة في لحظة ولادته بإبرة الهواء الممتلئة بسمها الأبتر، عندما اتخلص من هذه اللحظة القاتمة سأغزو أخيراً هذا العالم، ثم أعيد التفكير في تركيب تلك اللعبة الغبية التي أحملها في يدي مكعبٍ غريب أحياناً يجعلني أشعر عندما ألعبُ به أنه سيفتح صندوق باندورا .
تركت هذا المقهى الملغم بمقولات التسييف والتهويل وأنا أسيرُ في حي خان الخليلي، سمعت بائع الفضيات وهو يصيح بصخبه المحبب لرواد هذا الحي “مبخرة نحاسية ومشكاة لوازم الابتهالات والتضرع إلى الله”.


كم أحببت هذا الحي كثيراً بائع الأوشحة وبجواره المزار وهذا الرجل الذي يجلس وبين يديه هذا الخاتم الفضي وهو يعيد تشكيله ليناسب الحجر الأزرق، كان تأمله هو هوايتي المحببة فقط قلمٌ رفيع مدبب ويجعلك تملك تحفة فنيه حية، لأول مرة يلاحظني اليوم فرفع وجهه من فوق الحجر وهو يلمعه ويبتسم لي بفخر ظهر بصوته “مرحباً بك يا ولدي… هل ترى هذا الخاتم! لقد أنهيته أخيراً لزبونٍ ثري”.


ضحكت له وأنا أشعر بالسخرية لحاله فهو يجلس ساعات وساعات ليشكل تلك القطعة بمجهود مقابله بسيط ليرتديه رجلاً يتفاخر به؛ تركته وأنا التفت حولي لأرى صانع المسبحة يزايد بها على السائح الغريب الملامح هذا، وقفت مقابلهم أحدق بهذا الرجل ملامحه مغولية، يظهر عليه نفاذُ الصبر، رفع يده في حركةٍ عجيبة وهو يبعد يد البائع عنه مشمئزاً منه أكاد أقترب منه لكن توقفت حواسي عن العمل لحظة لمحت القفاز بيده رغم شدة الحرارة.


أصبحت خطواتي للبيت مثقلة رغم أن الوقت مازال منتصف النهار، كل خطوةٍ تقربني من تلك المشربيات تزيد ارهاقي وتبعدني عن اليقظة، لم أستطع إخراج المفتاح من جيبي فضغطت زر الجرس لتفتح شقيقتي الباب بمحاولاتها الساذجة لتصل للمقبض؛ فتحته وهي تهددني بطفوليتها المحضة” لن أفتح لك الباب مرة أخرى يا استاذ باسم”….لتنظر لي يغيظ “لديك مفتاحك!”


تركتها وأنا أعبث بشعرها متجهاً لغرفتي مستقبلاً الدثار بكل حفاوة مختفية بفؤادي ذهبتُ بسباتٍ، ما أرغمني على الخروجِ منه سوى صوت العويل والولولة المترامية من أطرافِ الحي عرفتها بتمازجها مع مكبر الصوت الذي يقبع بالمقهى حين يستغله العم خيرت للترويج عن صوته الشاذ المقامات وهو يغرد كالعندليب بالمواسم، ركضت متخطياً كل الأثاث العتيقُ الذي قابلني لأستقبل الشارع بقلبٍ وجل؛ فما كدتُ أصل إلا وقد وجدتُ بائع المسابح مستقراً بمنتصف الشارع وهو ينتفض كالمصروع ويزبدُ فَمِهِ رُغاءً أبيض يسيل مختلطاً بزرقة شفتيه… ليكسر الحائط المقامُ حولي صوت رسالة نصية، تصدر من هاتفي فتحتها لأجد الحلم سار واقع بجرة قلم “نفذ …حالاً” سقط الهاتف ومعه مكعبي وأنا أردد “جاءت الفاجعة”.

إبداعات عائلة اسكرايب

نُشر بواسطة اسكرايب للنشر والتوزيع

دار اسكرايب للنشر والتوزيع، دار نشر مصرية، عضو اتحاد الناشرين المصريين، ‏تمتلك اسكرايب خطة نشر ومشاركات في المعارض الدولية والمحلية ترضي الكاتب ‏العربي. تهتم اسكرايب بالترجمات والأدب العالمي، والمحتوى الذي يساعد على تنمية ‏مهارات وقدرات الشباب العربي، من علوم ودراسات متنوعة‎.‎ وقد وصلت المجموعة القصصية "كأنه هو"، للكاتب البحريني "هشام النهَّام"، الصادرة ‏عن دار اسكرايب للنشر والتوزيع، إلى القائمة الطويلة لجائزة الملتقى للقصة القصيرة ‏بالكويت عام 2023‏

تصميم موقع كهذا باستخدام ووردبريس.كوم
ابدأ