“الفيروس اللعين .. كورونا والمجنون” قصة قصيرة يكتبها يوسف حسين

كتب يوسف حسين:

“أحبك” لم تكن تلك الكلمة وحدها كفيلة لأن تظهر ما يكنه لها من حب، بل أن شعوره جعله يشبه قابيلا، لا يرى في الأرض من النساء غيرها. يقتل أشباهها في عينيه، رغم أن جوارحه لم تكن تشعر بهن، يصارع جنسه حينما يفكر أحدهم الاقتراب منها، لا يمل من حديثها، من صمتها وابتسامتها، حين تضحك كأن الشمس أشرقت من مبسمها، لتضيء عتمة فؤاده، وتدثره بلحاف نقائها، فيفر الصقيع هاربا وتزدهر نباتات روحه.

لقد كان الوحيد المزدحم، إن غابت عنه لثوانٍ كأنه بين القبور مقيم، حين تعود يمتلئ كونه بالوجود. لقد تعاهدا ألا يفترقا أبدا، حتى ظهر هذا المخلوق اللعين (كوفيد١٩)، لم يعيراه أي اهتمام، كانا ينجبان أطفالا من نظراتهما كلما التقيا عند باب الجامعة، لكن الأمر ازداد سوءا وكأن الخلق جميعهم تكالبوا عليهما، أغلقت الجامعة أبوابها، وكذا الطرقات، صار الحديث بينهما مرئيا بين الفينة والأخرى، ليستمر عناق أعينهما، لكن هذا العناق أصبح كثيرا عليهما، انقطع الاتصال، وباتت كل الوسائل لا تؤدي إلى شيء سوى الانتظار، هذا الذي يشبه الموت كثيرا أو الجنون، فلقد بات يحدث الجدران، السقف والأثاث والأواني، حتى السماء لم تنجُ من شكوى اشتياقه لها، يحضر الطعام ثم يغلق عينيه لثوان، ليستحضر طيفها كي تشاركه، يرسم ملامحها بمخيلته فوق سطح قهوتها كي يستمد الصمود من مذاقها، لقد عشق القهوة لأجلها، يقبّل يدَيه ليشتم رائحة عطرها، لقد بات بينه وبين الجنون خطوة واحدة! – لولا حديثها القديم الذي أصبح كطوق نجاة له.

لا يعلم كم من الوقت مضى في عزلته، كل ما يعلمه جيدا أن مسافة الفراق اتسعت واحتوت ما بين السماوات والأرض، ود لو أن يصبح طائرا، ويحلق بعيدا عن أرضه ليطأ أرضها، أو أن يتعلم السباحة ويعبر المسافات بقارب العشق، ليصل لبر عناقها، لكنه بشر مغلوب على أمره، ما استطاع فعل شيء سوى الدعاء – الدعاء فقط أن يكشف الله عنا تلك الغمة.

مر الوقت بطيئا كسلحفاة حامل، أخيرا زف إليه خبر النصر والخلاص من هذا اللا مرئي، حينما سمع الخبر احتضن الأواني والجدران، الأبواب والجيران، ثم خرج مسرعا دون أن يصفف شعره أو حتى يربط حذائه، كان أشبه بمعتقل هارب!، ركض نحو الجامعة، وقف عند الباب، دقق النظر في وجوه الطلاب، لمح السعادة في عيونهم، العناق يحفهم برداءٍ من بهجة، إلا هو .. كان الانتظار قاتله، حدثه قلبه بغصة:
-لم تعتد التأخر هكذا!، دائما ما كانت أول الحاضرين.
وضع يده على قلبه ليطمئنه، رغم أن عقله بحاجة لمن يحتوي جنونه. ثوان وظهرت سيارة فارهة، وكأنها جاءت من العدم، وقفت أمامه وفُتح بابها، معلنا عن هبوط امرأة!؛ لا يهم من هي، فعادته ألا يلتفت إلى أي منهن، لكن صوتها وهي تتحدث بلهجتها العامية: “اوعى تتأخر عليا يا بيبي”، هو من دفع قلبه قبل عينيه للنظر والتدقيق؛ إنها هي، وبطنها يتدلى أمامها، كبالون منتفخ.
صرخاته صدعت الجدران قبل البشر:
-أنا صانع الفيروس اللعين….

إبداعات عائلة اسكرايب

نُشر بواسطة اسكرايب للنشر والتوزيع

دار اسكرايب للنشر والتوزيع، دار نشر مصرية، عضو اتحاد الناشرين المصريين، ‏تمتلك اسكرايب خطة نشر ومشاركات في المعارض الدولية والمحلية ترضي الكاتب ‏العربي. تهتم اسكرايب بالترجمات والأدب العالمي، والمحتوى الذي يساعد على تنمية ‏مهارات وقدرات الشباب العربي، من علوم ودراسات متنوعة‎.‎ وقد وصلت المجموعة القصصية "كأنه هو"، للكاتب البحريني "هشام النهَّام"، الصادرة ‏عن دار اسكرايب للنشر والتوزيع، إلى القائمة الطويلة لجائزة الملتقى للقصة القصيرة ‏بالكويت عام 2023‏

تصميم موقع كهذا باستخدام ووردبريس.كوم
ابدأ